صفاء فوزي |
قصة غربة روح
بقلم
صفاء فوزى عبدالعزيز
مرهقة ، تحاول أن تكف عن التفكير، والخروج من دوامة الحزن والألم ، تعمل كثيرا إلى حد الإرهاق ، تعود للبيت متوترة ومنهكة .. تبتسم لزوجها وأولادها وتحييهم .. تبدل ملابسها سريعا ،ثم تدخل المطبخ تجهز الطعام كعادتها.. يتناولون الطعام ثم حوار بارد مع زوجها لعدة دقائق .. وحديث متكرر وممل من الزوج تعودت عليه .. لا تنصت إليه فهي بعالم آخر !! يشغلها صراع الأولاد اليومي حول اللعب .. تعلو أصواتهم ، تتوتر أكثر ، تحاول أن تتناسى وتهدىء من روعها، تنتظرأن يفك زوجها الاشتباك بينهم .. ، وكالعادة لا يفلح ، تختنق منه ولسان حالها يردد : " لقد أفسدت أخلاقهم بتدليلك الزائد لهم ، ولا جدوى منك أومنهم ،سئمت العيش معكم ".. تتمني الموت - كعادتها منذ فترة – أما هذه المرة وقد نفد صبرها، فإنها تدعو علي أولادها وزوجها لا على نفسها فقط !! لم تعد تحتمل أبدا هذه الصراعات ، خارجها وداخلها ،حاولت كثيرا أن تخرج من حزنها وتعيش في سلام ، وتتناسى كل ألم بداخلها ،كَمٌ هائل من الأحزان يُثقل كاهلها طوال حياتها ،خاصة آخرعامين كانا مليئين بأحداث لا تُنسى، خذلان وألم لا يُغتفر، تٌحاول أن تعيش إلا إنها فقدت لذة الحياة ! ماتت رغبتها في كل شيء ،سرحت قليلا،وأفاقت فجأة على أصوات أطفالها، الذين احتد الشجار بينهم .. تتدخل بصبر نافد .. تتهم زوجها بإفساد كل شيء، وتدمير حياتهم ،يتمادى الأطفال في شجارهم .. يضرب الولد أخاه بعنف ، تأخذ العصا من يد الضارب بعصبية شديدة تكسرها وتلقي بها حتى كادت أن تحطم زجاج النافذة لاعنة "العيشة واللي عايشنها " أخيرا .. يعلو صوته معنفا الأولاد، وهي تبكي و تصرخ " لقد دمرتم نفسيتي ..تعبت كثيرا، ولا أحد يحس بي أو يرحمني " !! يخفق قلبها بشدة حتى يقفز من صدرها .. تسقط أرضا يضيق صدرها .. تتنفس بصعوبة .. تكاد تختنق .. يهرع زوجها ليحضر لها كوب ماء .. ترتشف منه رشفة صغيرة .. البكاء يخنقها تسأل نفسها " ماذا يحدث لي ؟!" تهدأ قليلا .. تتأمل ما حولها، بينما هونائم فى هدوء، ولا يعبأ بشىء ! .. ترنو إليه بغيظ .. ثم تقوم إلى الصغار تطمئن عليهم وتدثرهم بالغطاء وتقبلهم ماسحة برءوسهم في حنان وحب .. وتتعجب كيف طاوعها قلبها لتدعو عليهم !؟ تحاول استدعاء النوم مرارا .. لكنه يهرب منها ويهبها أرقا وسُهدا !! .. تنهض من الفراش .. ترتدي " روبا " فوق ثيابها .. وتخرج للحديقة ،تتنسم نسيم الفجر النقي .. عَلًه يبرد ظلمة حياتها الموحشة !! قاربت الشمس على الشروق .. يدفعها نازع خفي أن تخرج إلى الشارع .. تسير قليلا أمام البيت .. تفكر إلى أين تذهب ؟! .. يهديها تفكيرها أن تذهب إلى بيت أبيها .. لكنها تتردد .. ويدور داخلها سؤال : أفى هذا الوقت المبكر جدا ؟! .. وحتى إذا ذهبت .. فلمن ؟! .. أبي لا يهتم ولا يأبه إلا بنفسه وزوجته التي تزوجها بعد وفاة أمي .. أمرأة قاسية جدا .. فكم عانيت منها قسوة وذلا سنوات طوال .. بدأت الشمس ترسل أشعتها قليلا .. تعاود السير ولكنها تتراجع فقد ماتت أمها - فلا أحد سيسمعها - فهنا أبا لا يأبه إلا بنفسه ، وزوجة أب قاسية ، عانت من قسوتها سنوات طوال ، هي متعبة لن تتحمل أى صراعات معها .. تعود باكية وتردد "أما لهذا الظلام من طلوع شمس" حاولت مكالمة أختها .. كان هاتفها مغلقا .. فكرت أن تهاتف صديقتها المقربة ( أحلام)..تراجعت خوفا من أن تؤلمها مكالمتها رغم إنها كانت تود فقط أن تسمع صوتها .. ظلت تسير دون أن تشعر، حتي وجدت نفسها، فجأة أمام قبر أمها !، تحدثت إليها وهي تبكي وتناجيها وتبثها شكواها وأشجانه : " لماذا تركتني يا أمي لماذا رحلتي وتركتيني في دنيا لا أستطع التكيف معها بأي شكل !!.. وعقول لا أستطع التواصل معها ، أشعر أنني أعيش في الزمن الخاطئ .. أشعر بغربة يا أمي .. لا أستطيع التكيف مع أحدا غيرك، أشعر بفراغ قاتل بداخلي ،أنتِ فقط من كنتِ تحتويني بحبك ، عالمي أنتِ غاليتي، أحتاجك يا أمي ..أحتاج حضنك الدافيء الحنون ..أكاد أختنق من هذا الجو الكئيب المليء بالزيف والعذاب !! أشتاق إليكِ ..فتعالي يا شاطيء الأمن والأمان !! . أوأن أجيء إليكِ حتى أنقذ نفسي منهم !! " تشعر بيد تربت علي كتفها، تلتفت .. فلا تجد أحدا.. شعور غريب يتملكها، دموعها تهطل من عينيها .. تعاود سيرها .. فجأة تجد نفسها على شاطيء النيل .. تنظر من أعلاه لمياه النهر .. ترى وجه أمها مبتسما لها.. كأنه يدعوها .. ترتقي حاجز الكوبري ..حتى تلبي دعوة أمها .. !! يصل إلي سمعها صوت من بعيد .. يقترب شيئا فشيئا .. تلتفت نحوه .. لتجد زوجها .. يهزها برفق قائلا " هيا استيقظي .. لقد نمتِ كثيرا !!